بقلم : ياسر عامر
كان مهند على مراحل عمره المختلفه طفلا ثم صبيا ثم شابا يافعا،رقيق المشاعر حساس و يعاني من هذه المشكلة وسط مجتمع يحكمه ويتحكم في مجرياته المادة، واخلاق الزحام التي من صفاتها الحصول على الحق او حتى عدم الحق بالدراع، والصوت العالي، والأداء الاستعراضي والجرأة التي تندرج الي حد البجاحه في اغلب الاحيان، وكاي طفل وقع في الحب كاول مرة في مرحلة الطفولة ولكنه لم يستطع ان يفصح عن حبه البريئ لزميلته بل كان يرتعد خوفا عندما يراها ويدق قلبه بشدة وتحمروجنتاه خجلا، وبقيت تلك العقدة ملازمة له حتى عندما تخرج وبدأ مشواره العملي، فعندما كان يشعر انه سيبدأ اعجابا او حبا جديدا، ينهي تلك الافكار بكل الطرق، ولكن في هذه المرة بالذات لم يستطع مهند ان يسيطر على مشاعره التي بدات تزداد كل يوم يراها فيه حتى اصبحت نار تحرق ضلوعه، ومخدرا يسري في اوصاله عندما يراها، وما زالت ذكري اول يوم رآها فيه عندما غير طريقه صدفه ووقعت عليها عينه، ثم دخل الي مقر عملها لا يدري ماذا يفعل، ولكن الالهام أتاه كما اتي مريم المخاض تحت جزع النخلة، ففكر سريعا انه لا بد من هز الجزع، وساعده في ذلك انه وجد نفسه عميلا في احدي شركات الطيران ووجد نفسه امامها وجها لوجه وبدأت هي تعالج خجله وتحاول تقليل الاعراض التي ظهرت عليه، وبدات تعرض خيارات ومواعيد واسعار السفر، ولم يدري بنفسه الا وهو في سريره ليلا وقد اشتد به المرض، نعم فاحس انه مريض ارتفاع الحرارة وانقطاع صوته من اول ما بدأت الحديث معه، وزغلله وعدم القدرة على الوقوف، ولكن الاعراض لم تكن لانفلونزا او دور برد، او حصبة فقد اصيب بها وهو صغير، ولكنها كانت اعراض حب.
وبقي مهند طوال الليل يحاور نفسه ويستدعي شيطانه واتباعه لابتكار واختراع حيلة اخري ليراها ويجالسها، كانت كل امنيته ان يعترف لها بحبه، واستجمع كل شجاعته واخذ يتصفح ويستعرض كتبا كثيرة وقصص العشاق، لعله يجد طريقة في الحصول منها على طريقة للحصول بضع دقائق يعبر لها فيها عن حبه الشديد، ويخبرها انها هي فتاة احلامه منذ الصغر، وأنه لن يستطع استكمال سنوات عمره القادم بدونها، حيث اصبح متيما بها فهي صارت كالدواء للمريض بالمرض المزمن الذي لا يمكن باي حال من الأحوال، ان يستغني عن جرعه واحده منه، واخذ ورقة وقلم وسطر سطورا من كلام العاشقين، خاف ان يمنعه خجله الشديد من الكلام معها، فكر في ان يعطيها الرسالة، ويبقي صامتا امامها، يراقب تعبيرات وجهها، ثم سريعا اخرج الفكرة من رأسه فقد تذكر أول مرة عندما حاول، ان يفعل هذا مع احدي زميلاته في الجامعة التي اعجب بها، وظن انها تبادله نفس الشعور، فكتب لها بدمائه كلمات خرجت من بين ضلوعه، ولكن رد الفعل كان قاسيا جدا، فقد قامت تلك الفتاة، بقراْة رسالته لها امام زملائهم، بطريقة ساخرة، وقضي سنوات الجامعة يعاني من هذه التجربة القاسية التي تركت فيه عقدة كبيرة لا يستطيع حلها.
وفكر ان يسال ويستقصي عن عنوان منزلها ويدخل البيت من بابه كما يقولون، ولكنه رفض الفكرة رفضا تاما وحاول ان يمحوها من مخيلته، فقد تذكر عندما حاول مساعدة احد اصدقائه المحبين ويجمع معلومات عن الفتاة التي احبها صديقه بناء على طلبه، وما حدث له عندما تم استدعائه من عمله بمعرفة الشرطة، حيث قاموا بالترحيب به بطريقتهم حيث اكل العشوة والحلو وشرب الشاي، وخصوصا بعد ان انكر صديقه طلبه منه ذلك، فقد كان والدها من المستهدفين والتي تراقبهم الشرطة في انتظار الايقاع بمن يقوم بتهديده، وتركوه بعد ان عرفوا حقيقته البريئة.
ولكن الشياطين في تلك الليلة بكوا لحاله، عندما سمعوا بحكايته وعجزوا ان يبتكروا له حيلة تحفظ ماء وجهه وتساعده على البوح لها بحبه الجياش، ولكنهم طلبوا فرصة لعقد اجتماع مع كبيرهم وباقي قرناء الجن للاتيان له بفكرة شيطانية لمقابلة حبيبته.
وفكر مهند في عرض مشكلته على صديقه المقرب ورئيسه بالعمل الذي بادر بعرض فكرته التي من الواضح انه قام بها كثيرا، حيث قرر ان يرسل خطابا رسميا للشركة التي تعمل بها يوهمهم فيه انهم بصدد اختيار موظفه مثالية سيتم تكريمها في مهرجان كبير ومن تفوز ستحصل على جائزة كبيرة عبارة سيارة موديل العام، وساعدهم على ذلك انها الموظفه الوحيدة لديهم التي تطبق عليها المواصفات التي وضعوها مسبقا لتنطبق عليها، ثم يقوم مهند بمقابلتها والبوح لها عما يشعر به فؤاده.
وقد لاقت الفكرة قبول مهند وتتابعت الأحداث سريعا، حتى وجد مهند نفسه وجها لوجه معها، وساعده حماسها زائد للمسابقة، ولباقتها وجرأتها الزائدة الغير متوقعه، أن يطلب منها موعدا ليليا بعيدا عن العمل بحجة توضيح بعض الاسئلة والشروط، وذكر لها اسم مكانا هادئا يستطيع ان يحتسي هو وهي مشروبا اثناء اللقاء، ولكنها رفضت رفضا عنيفا جديا حتى كاد ان يغمي عليه،لولا انها استدرجت وقالت ان هذا موعد عشائها المعتاد، واذا كان لا بد من اللقاء، فيقوم بعزومتها على العشاء، واعطت له عنوان مطعما مفضلا اليها.
لم يستطع مهند مقاومة فرحته فقد احس ان ابواب السماء فتحت له اثناء دعوة من دعوات والدته المعتاده ” روح يا بني ربنا يجعل في وشك القبول” واخذ يعد ويسارع الدقائق واخرج دولاب ملابسه ليستعرض جميع الانواع والألوان، ثم اخرج برفين كان قد قدم له هديه قيمه من احد الأقرباء بالخارج، وجمع كل نقوده ووضعها في محفظة جلد الثعبان كان يملكها والده، وفي الطريق ذهب لمحل الورد، فحصل على ثلاثه الوان من الورود بيضاء، وحمراء، وصفراء للتعبير عن الصراحه، والحب، والغيرة على ترتيب الوانهم، وذهب قبل موعده بدقائق مقتنعا انها ستاتي متاخرا كعادة كل النساء، ولكن المدهش انه ذهب ووجدها في انتظاره على احدي الترابيزات وتشير له بحماس، صافحها واطال المصافحة واحس ببرودة يدها في يده الملتهبه فقد كان الجو باردا في فصل الشتاء، ثم اعتذر عن مسك يدها لمدة طويلة متقمصا دور “الجنتل مان” وبدأ الترحيب بها بكلمات متبعثره انهتها هي باشارة من يدها التي كانت عينيه تلتهما، واراد الا تفضحه عينيه ودقات قلبه فتظاهر منشغلا بتفقد قائمة الطعام” الميينوه” قائلا بلهجة الواثق: اطلب لك ايه؟ ولم تعطيه فرصه للاختيار فقد قامت مباشرة منادية بصوت عالي:” يا متر” فجائها متحفزايحمل قلما وورقه واخذت تعطي الاوامر بلهجة الملهوف الولهان: بص بقي انا اصلي عامله دايت يعني هاخد مشويات هاتي لي نص فرخه مشوية، ونص كيلو كباب على كفته، و…….. اخذت تفكر برهة ” فيه جمبري مشوي.. ايوه يا فندم رد المتر.. طب زي بعضه طبق جمبري مشوي.
عندكوا ايه حلو فيه ام علي دايت؟….. لا للاسف فيه ام علي بس مش دايت لانها بالقشطة والسمنه البلدي.. رد الجرسون.,ابدت علامات الندم على وجهها… كانها فقدت شخصا عزيزا عليها.. ثم قالت بنبرة الحزين طب مش مشكلة عشان خاطر الدايت هاخد قطعة جاتوه واحده بس شيكولاته…. وياريت اسبرايت او سفن دايت… وعصير برتقان فريش من غير سكر عشان الدايت…. واشرب شاي اخضر من غير سكر بس بسرعة وحياتك.
انهت حديثها مع الجرسون ونظرت لمهند هتطلب ايه ؟ وكان مهند في زهوله يتحسس محفظته التي تقترب من ضلوعه مع زيادة دقات قلبه، ويمعن النظر في قائمة الطعام محاولا بخبرته الحسابية ان يحسب حاصل جمع ما طلبته من طعام. ثم افاق للحظات وقال لها انا اصلي عندي موعد عشاء مع اصدقائي، واجاب بنبرة صوت محشرجه انا عاوز قهوة مظبوط مدعيا الوقار.
أخذ مهند يتابعها وهي تلتهم الطعام كخبيرة ومقيمة اغذيه ويلهي نفسه في مشاهدة اصابعها الجميلة وهي تعزف سيمفونيه تقطيع الطعام بكل حرفية والقذف به على فمها بحرفية رامي منجنيق محترف ابان الحروب الصليبة، ثم تعمل اسنانها كافراد النحل الشغالة التي لا تكل ولا تمل وبسرعه عاليه تقوم بطحن الطعام وتستعد لاسقبال دفعة اخري.
لم تمهله الحديث فقد كانت كلماتها العزبه الرنانه بلكنتها النقيه تعدد مذاق كل اصبع من الكفته وكل قطعه لحم مشوية ، وتعدد في مزايا الدايت، لم تعطي له فرصه في التعبير عن نفسه، وبدأ مهند الذي لما يتناول الا سندوتش فول الافطارمنذ الصباح يسمع اصوات غريبه تزداد حتى اصبحت تفوق اصوات دقات قلبه ، ولم ياخذ وقتا طويلا في معرفة مصدر الصوت، فقد كانت معدته الصماء تضج بما تحس وبدات رائحة الكباب تنعش حواس اخري مهملة، وحديثها عن الطعام كانها المحبه الملهمة، حتى ظن ان بينها وبين العجل مصدر اللحوم، علاقه سريه غير شرعيه.
وانتهز فرصه ردها على الموبايل، وحاول متلصصا ان يسحب قطعة كباب من القطع التي ترقد أمها في صمت على اعواد البقدونس، واصبعا من الكفته ويقذف بهما في فمه ارضاء لمعدته الخاويه، ولكنها في مهارة شديدة استطاعت ان تخلص الطعام من على شوكته وانهت المكالمة وبدأت في الصراخ وهي تنهره نهرا شديدا وطلبت منه وهي تبدا في التعامل مع قطعة الجاتوه ان يطلب لها الجرسون ليلف لها باقي الطعام “تيك اواي” ، لانها تذكرت ان قطتها جائعه ولم تطعمها منذ الصبأح وانهت كلامها بعبارة يعني ضميرك هيبقي مرتاح لما تاكل اكل القطه الغلبانه؟”
واشار بيديه غاضبا للجرسون الذي جاء مسرعا وهي ترتشف اخر رشفه من الشاي الاخضر بدون سكر، يطالب بالشيك الذي كان جاهزا، حيث دفع اخر عشرة جنيهات كمبلغا صحيحا معه وبقت عدة انصاف جنيهات اعطاها للجرسون بقشيشا، وقام مسرعا مفزوعا وصوتها يردد ” مفيش عندكوا شيشة تفاح؟”